مـــــرحبـــاً بكـــم ،،وحيـــاكم الله

بسم الله أبدأ سردي...وبه أستعين



ثم/

السلام على الضيوف المكرمين العابرين..المارقين على السطور فشاكرين..أوناقدين

ولهم تحايا والمراحب ألفا...أيما الأمرين كانوا صانعين

أوليس يكفيني شرف التواجد ها هنا ..أوليس يكفيني جوار القوم المكرمين



***



وبـــــعد,,

زاويتي الصغيرة من العالم..زاوية فوضوية..كائنا من يكون قد خلف مكانا فارغا بداخلي

يزيف الناس الكثير من التفاعلات الإنسانية..حيث أجدهم يعقدون من حولي روابط من نوع ما على الدوام

لكن الروابط البشرية المزيفة ...تؤدي دائما إلى تعقيدات فوضوية

وأفترض أنه كشخص يتهرب من تلك الروابط علي أن أكون منزعجة ..خائبة...وحيدة...لكنني لست كذلك .

هنا..في زاوية فاضت بي وحدي....زاوية منزوية عن العالم بتفاعلاته المزيفة..أرسم عالمي الخاص

ألون حدود معالمه بأزهى الألوان..أُفَصّلُ ساكنيه كما يحلو لي

أخط على حائطه أشعاري وأفكاري ..وأدون في زواياه ماكان مني حينا..وماكان منه حينا آخر

هنا حيث أكون أنا ..ولاأحد سواي..















الجمعة، 24 سبتمبر 2010

(0) ~ وللأمور مسـميـــات أخـــرى~

(0) "الحـــقيقة"
هو المقياس الذي لا يزول...والمنهج الذي لا يحول ..وهو الأمر الوحيد الذي لا مسمى له سوى " الحقيقة"....
ورحم الله الإمام مالكا حيث قال:"ليس أحدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبي ".
****
من طلب الحقيقة من الألفاظ هلك!.. هذه العبارة التي أطلقها يوماً الإمام أبو حامد الغزالي (حجة الإسلام في عصره) تكاد تصور -للأسف الشديد- واقعنا العربي الذي يعيش حالة من الخمول الفكري غير مسبوقة في تاريخه، فهو من ناحية ينقل نقلاً حرفياً المصطلحات الفكرية دون إعمال للفكر أو التمحيص حتى  أصبح ضحية لهذه المصطلحات المشبَّعة بدلالات خطيرة باتجاه الكذب، وتزييف الواقع وتزوير الحقائق. فتجعل الحق باطلاً، والباطل حقا!.. وقديماً قال "تشرشل" أن الحقيقة يجب أن تكون مصحوبة بالأكاذيب
يتــــ(1)ـــــبع......

(1) السلطة باختلاف درجتها  "حق مشروع أمــ ملكية خاصة"

(2) ~ وللأمور مسـميـــات أخـــرى~

نزوح أحزاب المعارضة إلى مدن أوروبا كــ لندن ..."هروب أمـــ بحثا عن حرية الرأي "




تعرف المعارضة في أدبيات السياسة على أنها قوى "أحزاب" وتجمعات سياسية تمتلك برنامجا محددا يهدف باطنيا إلى الوصول للسلطة، وظاهريا لتقويم السلطة وإصلاحها , وهي غالبا ما  تمتلك الأدوات التي تمكنها من تحقيق هذا الهدف.
وبالتطبيق على الوطن العربي نجد أن المعارضة بها هي أقرب لمعارضة مرؤوس لتوجيهات رئيسه، فلا هو قادر على إثنائه عما يخطط له ويدور في رأسه، ولا هو يقوى على اقتلاعه من منصبه كي يحل محله.
فالمعارضة بالوطن العربي بمختلف أطيافها تدور في نفس الحلقة التي حددتها لها الحكومة، وتأبى أن تتعداها لأفق أوسع يضمن أن تشكل تهديدا حقيقيا للسلطة، بشكل قد يدفعها للعمل على كسب شرعية مجتمعية تصب في مصلحة المواطن.
وبالحديث عن المعارضة "الداخلية والخارجية" فإن مصر تأخذ نصيب الأسد من الحوار,
ولرب قائل أن المعارضة الخارجية ما هي إلا أفواه تنعق بلا أي سلطة فعلية أو خطوات واقعية من شأنها تصحيح المسار.
فدعونا نستعرض شأن المعارضة الداخلية ....
لعل أقل ما يقال في هذا الشأن هو أن أحزاب المعارضة المصرية الرئيسية قد ولدت من رحم النظام، فمن المعروف أن التجربة الحزبية التي بدأت في مصر قبل نحو ربع قرن جاءت من قمة الهرم السياسي أي من النظام باعتبارها "منحة أو هبة" من الحاكم، ممثلا في إنشاء الرئيس الراحل أنور السادات لفكرة المنابر التي تحولت فيما بعد إلى أحزاب سياسية عام 1977.
 ومن بين أكثر من 15 حزبا سياسيا في مصر بيومنا هذا ، يصعب الحديث عن وجود أحزاب معارضة حقيقية، سوى أربعة أحزاب فقط تمثل –نوعا ما- شكل المعارضة في النظام السياسي المصري، وهي حزب الوفد والحزب العربي الناصري وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وحزب الأحرار.
ويمكن القول إن هذه الأحزاب هي الأعلى صوتا وليست الأكثر معارضة، فهذه الأحزاب تمر بدورة جديدة من الضعف والجمود، ليس على مستوى الأفكار فحسب، وإنما أيضا على مستوى الآليات.
وهناك أيضا الحزب الذي ترفض الحكومة بجعله رسميا وهو "الأخوان" 
ولأنه هو الحزب الوحيد المعارض حقا للحكومة  والذي من شأنه أن يحدث تغييرا ايجابيا فعالا بالرغم من قلة شعبيته ..فقد التقت رغبة الطرفان "النظام والمعارضة"، فالنظام يريد التخلص من صداع الإخوان وإيجاد برلمان خالٍ من نواب الجماعة، لكنه لا يخلو من معارضة مستأنسة شكليا وليس إشكاليا ، ليمرر هذا المجلس الوديع أي تعديلات دستورية آو أي انتقال للسلطة يريده النظام. قبلت أحزاب المعارضة عقد صفقة مع النظام يتم بموجبها تقسيم مقاعد الإخوان المسلمين في مجلس الشعب على أحزاب المعارضة رغم يقينهم أن هذا النظام هو المتسبب في تفشي الفقر والفساد والظلم في البلاد.
هذا بشأن المعارضة الرسمية في مصر.
ويرى أ.حمدي قنديل  أنه «إذا كان (الإخوان) هم من يمثلون المعارضة داخل الكيان الافتراضي للدولة ويحاولون العمل داخل مؤسساتها، فإن هناك قسما آخر من المعارضة يعمل خارج المجال الافتراضي للدولة ويتخذ من الشارع منطلقا له، وهو متمثل في الحركات السياسة الجديدة كـ "كفاية" و"6 أبريل" و"الجمعية الوطنية للتغيير". وهم ما يطلق عليهم مصطلح (المعارضة الافتراضية)، بالإضافة إلى الحركات العمالية التي تقوم بالاعتصامات والاحتجاجات مع المواطنين وفئات الشعب الغاضبين في الأزمات مثل أزمة المحامين الأخيرة، وهذه تضم فئات متنوعة من الشعب له خلفيات سياسية متنوعة. فهذه هي المعارضة الحقيقية، التي تخرج من الشعب وتعبر عن مشكلاته».
لكن باعتقادي الخاص أنها أحزاب أو تجمعات ناقصة تحرث في الماء وذلك لــ :
_أنها حركات قامت على الاحتجاج دون تقديم منهجية واضحة أو بدائل.
_أنها كانت تسعى للتأييد الطبقات السياسية وليس لصوت الشارع المصري ,كما فعلت حركة "كفاية" .
_أنها تفتقد الخبرة في كيفية الترويج لقضية الإصلاح السياسي الديمقراطي، وذلك بحكم أصول نشأتها,فلم تطالب بمطلب ديموقراطي محدد.
وختاما لتلك الكارثة يعلن البرادعي وحزب الوفد مقاطعة الانتخابات دون منهجية واضحة رغم صياح الشارع المصري مستجيرا بالبرادعي للترشيح.
وهكذا، تضيع مصر بين نظام متمسك بالسلطة حتى الرمق الأخير ويختار معارضيه، وبين أحزاب معارضة تبحث عن مصلحتها الضيقة وأقليات عشوائية لا تملك سوى الحماس.
.....
وبالنظر  لأهداف وإمكانيات الأحزاب المعارضة في اليمن وسوريا وغيرها من دول الوطن العربي ,فهي لا تقل سوءاً عن مصر_وإن كانت لا تتعداها _ إلا أن حكومة اليمن قد تشرك الأحزاب المعارضة الخارجية في بعض القرارات وإن كانت تلك القرارات صورية كما يحدث مع  الرئيس الأسبق  وزعيم المعارضة الخارجية علي ناصر محمد وهو المعروف بخطبه البليغة النارية وأفعاله الباردة عندما يحتاج  لدعمه   أبناء جلدته من الجنوبيين .
بعد النظر لتلك الحقائق ودراستها ...هل تعتبر المعارضة الخارجية أمر مثمر ومنتج حقا أم هي مجرد طفيليات على الساحة السياسة ولا وجود لهذا المصطلح في الأجندة السياسية ؟!
والله من وراء القصد.

انتهى....يتـــ2ــــبع
الاختلاف في الرأي (لا يفسد للود قضية أمــــ حـــرب تشنها قضية الاختلاف)

 

الخميس، 23 سبتمبر 2010

(1) ~ وللأمور مسـميـــات أخـــرى~


 
 
(1) السلطة باختلاف درجتها  "حق مشروع أمــ ملكية خاصة"
كل شيء ممكن هنا..وكل شيء غير ممكن أيضا
ليس أسهل من الإحاطة بالأحوال الرئاسية,وليس أعسر منه, لم يتوقف الأمر يوما على المتلقي,بل على من بيده مقاليد السلطة الزائلة,هو صاحب القصد ومضمر النية,مجرد انتماءه للسلطة باعث على الثقة وإظهار الخيلاء...فيكفي أن يقدم الشخص نفسه باعتباره منتميا إلى تلك الجهة حتى تتغير النظرة إليه على الفور...
وبرغم كل الحديث عن الأطوار وتقلبات الأحوال ,وحلول أشخاص ثانويين وإزالة رئيسيين,وإعادة التنظيم التي تكاد تكون شبه موءودة نوعا ما ,إلا أن ثم وعيا شاملا لا يمكن تحديد مصدره أو التنبؤ بمنبته,يرسي حقيقة يعيها الجميع وهي أن صاحب النفوذ سيحتفظ به سواء استمر به  ديمقراطيا أو بيروقراطيا...
وكأنها علاقة من نوع خاص,أو أن السلطة عبارة عن أيونات تنجذب لأصحابها فلا يستطيع الخلاص منها والعكس أدق تعبيرا..
الغريب في الأمر والمُختلف فيه هو: هل هي أيدلوجية تخص المسؤولين فقط ..أم أنها عامة للكل ..أقصد أن اللذين يهتفون للتغيير اليوم ,ماذا لو تبدل الحال؟!
وأظن أن التاريخ السياسي  لمصر وسوريا واليمن وغيرهم الكثير  قد تعطينا جوابا شافيا لتلك المسألة ,مما يلزمنا طرح سؤال آخر وهو: هل حقا الانتخابات هي الحل الأمثل للمشكلة ...ماذا لو أن فكرة البرادعي للمقاطعة هي الخطوة الأولى للتغيير ؟!
وماذا سيحدث بعد المقاطعة؟ هل سيكتفي أم أن هناك خطة حيوية من شأنها أن تحدث التغييرات المطلوبة !
نعم!!
 الأمور مقضة..مقلقة..باعثة على الخشية والتوجس خيفة..غير أنه لا أحد يمكنه تحديد الأسباب أو تعينها أو القطع فيها وذلك لأسباب من السهل تحديدها والبت فيها لكن بصوت غير مسموع  !!
غير أن ثمة إدراك عام أن نقطة ما تكمن في الزمن الآتي سيقع عندها أمر مهول..
صدام ,انهيار,تغيير...
في أي الاتجاهات؟! لا أحد يمكنه التكهن !!  
ولا يمكن تحديد الاتجاه إلا بمعرفة ردة الفعل المنتظرة!
و ربما يكون السكوت ذكاء من ذوو ردة الفعل ليتفادوا ضربة استباقية لهم .
فربما  ينتظرون أن يقضى الله أمرا كان مفعولا ليتحركوا ..كما يحدث الآن في مصر والذي يعتير نوعا ما إعادة لتاريخ "الضباط الأحرار 67" وكما سيحدث قريبا كما تشير الدلائل  في اليمن خاصة بعد ثلاث أمور
1_اقتراح تولي "جمال"ابن الرئيس للحكم .
2_تقريب الرئيس للمتصوفة وإعطاؤهم المراكز الفعالة في الدولة .
3_تردي الأوضاع في الجنوب وانعدام الأمن.
 فإن كان هذا ما يضمروه فربما يظفروا، وإن كانوا لا يضمرون شيئا من هذا
وكان ما يبدون من عزوف وتردد سياسة معتمدة لديهم، فأبشر بطول سلامة يا مربع.
ولكن قاعدة واحدة في العلم السياسي لا تزال صالحة في كل حال،
وهو أن الاطمئنان الشديد مدعاة للقلق، وقديما قيل من مأمنه يؤتى الحذر، والله من وراء القصد.
انتهى.....يتــــ(2)ـــبع
نزوح أحزاب المعارضة إلى مدن أوروبا كــ لندن ..."هروب أمـــ بحثا عن حرية الرأي "




~ وللأمور مسـميـــات أخـــرى~

بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء:
إلى معلمي وأستاذي ومهذبي...
إلى روحك الطيبة الراضية المرضية بإذن ربها...
إلى ذكراك العطرة التي تضمخ دنيانا بعبق الأخلاق...وتضيء ظلمات حياتنا بنور اليقين....
وخصومك وجلادوك وشانئوك على الفتات يصطرعون وفي الصغار يتمرغون...
ابنتك وتلميذتك...
,,
,,
,, 
عنونت هذه الباكورة الأولى بـــ"مسميات أخرى" حيث أني أجدها انسب اصطلاح للطرح...
أما لماذا "مسميات أخرى" للأمور؟ فلأننا _والحديث هنا بـ نا الفاعلين_ نحب تسمية الأمور كما يحلو لنا أو بمنظورنا الشخصي , وكان لا بد لي من فهم الأبعاد الأيدلوجية للمفاهيم المختلفة التي تسير أفكارنا وتحليلاتنا لأجد نقطة مشتركة في مسألة الاختلاف,فحاولت أن تضم السلسلة ما هتفت به القلوب والحناجر,وما سطرته الأقلام وعلا فوق المنابر ,حول أمور متعددة نتفق على وجودها ونختلف على مسمياتها .
فسبرت أغوار الكتب والمقالات , وولجت إلى دهاليز الشبكة لأتعمق في الموضوع ,واقترح علي البعض تمثيل جلسات حوارية أو بالأحرى جلسات مناقشة  هدفها استنباط الأسباب الركيزة لاختلاف المسميات ,لكني خشيت من عاقبة فعلي ,وخشيت أن يركب المساهمون أحصنة المعركة وتنسل السيوف وأتعرض أنا للمساءلة القانونية بتهمة التحريض على "...." ,فقررت الاكتفاء بأبحاثي  مجردة من أفكاري الخاصة مع أمثلة مبهمة ..جزئية وتقريبية ...
فكان ما كان...ويبقى قارئ عملي حكما متجردا على هذا العمل المتواضع.....
وإن كان لا بد من كلمة أختتم بها ما أنا بصدد طرحه فهي رجاء حار أسوقه لكل من حل هنا أن يصحح لي ما قد أكون قد أخطأت فيه,لأن مثل هذا التنبيه يقوم العوج ويصحح الخطأ ويضفي على عملي مزيدا من الثقة والشفافية,ومزيدا من الحقيقة التي أحب أن تكون رائدي فيما أخط بإذن الله.


السبت، 11 سبتمبر 2010

نشيد غرباء بعد حكم الاعدام

كتبها أحد الأخوان المجاهدين في مصر عام 93 وانشدها خلال محاكمته بعد أن حوكم بالاعدام...قال صلى الله عليه وسلم"بدأ الإسلام غريبا وسينتهي غريبا"

الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

تفسير سورة الأخلاص في ظلال القرآن لـــ سيد قطب



قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)







هذه السورة الصغيرة تعدل ثلث القرآن كما جاء في الروايات الصحيحة . قال البخاري:حدثنا إسماعيل:حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة , عن أبيه , عن أبي سعد , أن رجلا سمع رجلا يقرأ:(قل هو الله أحد)يرددها . فلما أصبح جاء إلى النبي [ ص ] فذكر ذلك له - وكأن الرجل يتقالها - فقال النبي [ ص ]:" والذي نفسي بيده , إنها لتعدل ثلث القرآن " . .






وليس في هذا من غرابة . فإن الأحدية التي أمر رسول الله [ ص ] أن يعلنها:(قل هو الله أحد). . هذه الأحدية عقيدة للضمير , وتفسير للوجود , ومنهج للحياة . . وقد تضمنت السورة - من ثم - أعرض الخطوط الرئيسية في حقيقة الإسلام الكبيرة . .






(قل هو الله أحد). . وهو لفظ أدق من لفظ "واحد" . . لأنه يضيف إلى معنى "واحد" أن لا شيء غيره معه . وأن ليس كمثله شيء .






إنها أحدية الوجود . . فليس هناك حقيقة إلا حقيقته . وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده . وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي , ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية .






وهي - من ثم - أحدية الفاعلية . فليس سواه فاعلا لشيء , أو فاعلا في شيء , في هذا الوجود أصلا . وهذه عقيدة في الضمير وتفسير للوجود أيضا . .






فإذا استقر هذا التفسير , ووضح هذا التصور , خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة , ومن كل تعلق بغير هذه الذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية .






خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود - إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلا ! - فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي . ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية . فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته !






وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة , ومن التعلق بغير هذه الحقيقة . . فعندئذ يتحرر من جميع القيود , وينطلق من كل الأوهاق . يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة , ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة . وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئا متى وجد الله ? ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا لله ?






ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله , فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها - وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه . وورائها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا الله . لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله .






كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب . ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت , وبه تأثرت . . وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني . ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائما ويصل الأمور مباشرة بمشيئة الله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). . (وما النصر إلا من عند الله). . (وما تشاءون إلا أن يشاء الله). . وغيرها كثير . .






وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها , ورد الأمر إلى مشيئة الله وحدها , تنسكب في القلب الطمأنينة , ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب , ويتقي عنده ما يرهب , ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة التي لا حقيقة لها ولا وجود !






وهذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة , فجذبتهم إلى بعيد ! ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها , ويزاولون الحياة البشرية , والخلافة الأرضية بكل مقوماتها , شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا الله . وأن لا وجود إلا وجوده . وأن لا فاعلية إلا فاعليته . . ولا يريد طريقا غير هذا الطريق !






من هنا ينبثق منهج كامل للحياة , قائم على ذلك التفسير وما يشيعه في النفس من تصورات ومشاعر واتجاهات:منهج لعبادة الله وحده . الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده , ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعليته , ولا أثر لإرادة إلا إرادته .






ومنهج للاتجاه إلى الله وحده في الرغبة والرهبة . في السراء والضراء . في النعماء والبأساء . وإلا فما جدوى التوجه إلى غير موجود وجودا حقيقيا , وإلى غير فاعل في الوجود أصلا ?! ومنهج للتلقي عن الله وحده . تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين , والشرائع والقوانين والأوضاع والنظم , والآداب والتقاليد . فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد والحقيقة المفردة في الواقع وفي الضمير .






ومنهج للتحرك والعمل لله وحده . . ابتغاء القرب من الحقيقة , وتطلعا إلى الخلاص من الحواجز المعوقة والشوائب المضللة . سواء في قرارة النفس أو فيما حولها من الأشياء والنفوس . ومن بينها حاجز الذات , وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود !






ومنهج يربط - مع هذا - بين القلب البشري وبين كل موجود برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاوب . فليس معنى الخلاص من قيودها هو كراهيتها والنفور منها والهروب من مزاولتها . . فكلها خارجة من يد الله ; وكلها تستمد وجودها من وجوده , وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة . فكلها إذن حبيب , إذ كلها هدية من الحبيب !






وهو منهج رفيق طليق . . الأرض فيه صغيرة , والحياة الدنيا قصيرة , ومتاع الحياة الدنيا زهيد , والانطلاق من هذه الحواجز والشوائب غاية وأمنية . . ولكن الانطلاق عند الإسلام ليس معناه الاعتزال ولا الإهمال , ولا الكراهية ولا الهروب . . إنما معناه المحاولة المستمرة , والكفاح الدائم لترقية البشرية كلها , وإطلاق الحياة البشرية جميعها . . ومن ثم فهي الخلافة والقيادة بكل أعبائهما , مع التحرر والانطلاق بكل مقوماتهما . كما أسلفنا .






إن الخلاص عن طريق الصومعة سهل يسير . ولكن الإسلام لا يريده . لأن الخلافة في الأرض والقيادة للبشر طرف من المنهج الإلهي للخلاص . إنه طريق أشق , ولكنه هو الذي يحقق إنسانية الإنسان . أي يحقق انتصار النفخة العلوية في كيانه . . وهذا هو الانطلاق . انطلاق الروح إلى مصدرها الإلهي , وتحقيق حقيقتها العلوية . وهي تعمل في الميدان الذي اختاره لها خالقها الحكيم . .






من أجل هذا كله كانت الدعوة الأولى قاصرة على تقرير حقيقة التوحيد بصورتها هذه في القلوب . لأن التوحيد في هذه الصورة عقيدة للضمير , وتفسير للوجود , ومنهج للحياة . وليس كلمة تقال باللسان أو حتى صورة تستقر في الضمير . إنما هو الأمر كله , والدين كله ; وما بعده من تفصيلات وتفريعات لا يعدو أن يكون الثمرة الطبيعية لاستقرار هذه الحقيقة بهذه الصورة في القلوب .






والانحرافات التي أصابت أهل الكتاب من قبل , والتي أفسدت عقائدهم وتصوراتهم وحياتهم , نشأت أول ما نشأت عن انطماس صورة التوحيد الخالص . ثم تبع هذا الانطماس ما تبعه من سائر الانحرافات .






على أن الذي تمتاز به صورة التوحيد في العقيدة الإسلامية هو تعمقها للحياة كلها , وقيام الحياة على أساسها , واتخاذها قاعدة للمنهج العملي الواقعي في الحياة , تبدو آثاره في التشريع كما تبدو في الاعتقاد سواء . وأول هذه الآثار أن تكون شريعة الله وحدها هي التي تحكم الحياة . فإذا تخلفت هذه الآثار فإن عقيدة التوحيد لا تكون قائمة , فإنها لا تقوم إلا ومعها آثارها محققة في كل ركن من أركان الحياة . .






ومعنى أن الله أحد:أنه الصمد . وأنه لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد . . ولكن القرآن يذكر هذه التفريعات لزيادة التقرير والإيضاح:






(الله الصمد). . ومعنى الصمد اللغوي:السيد المقصود الذي لا يقضى أمر إلا بإذنه . والله - سبحانه - هو السيد الذي لا سيد غيره , فهو أحد في ألوهيته والكل له عبيد . وهو المقصود وحده بالحاجات , المجيب وحده لأصحاب الحاجات . وهو الذي يقضي في كل أمر بإذنه , ولا يقضي أحد معه . . وهذه الصفة متحققة ابتداء من كونه الفرد الأحد .






(لم يلد ولم يولد). . فحقيقة الله ثابتة أبدية أزلية , لا تعتورها حال بعد حال . صفتها الكمال المطلق في جميع الأحوال . والولادة انبثاق وامتداد , ووجود زائد بعد نقص أو عدم , وهو على الله محال . ثم هي تقتضي زوجية . تقوم على التماثل . وهذه كذلك محال . ومن ثم فإن صفة(أحد)تتضمن نفي الوالد والولد . .






(ولم يكن له كفوا أحد). . أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ . لا في حقيقة الوجود , ولا في حقيقة الفاعلية , ولا في أية صفة من الصفات الذاتية . وهذا كذلك يتحقق بأنه(أحد)ولكن هذا توكيد وتفصيل . . وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن الله هو إله الخير وأن للشر إلها يعاكس الله - بزعمهم - ويعكس عليه أعماله الخيرةوينشر الفساد في الأرض . وأشهر العقائد الثنائية كانت عقيدة الفرس في إله النور وإله الظلام , وكانت معروفة في جنوبي الجزيرة العربية حيث للفرس دولة وسلطان !! هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية , كما أن سورة "الكافرون" نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك . . وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه . وقد كان الرسول [ ص ] يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر - بالقراءة بهاتين السورتين . . وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه . .


















أزمة القراءة ومستقبل الهويّة العربية في مطلع الألف الثالث الميلادي


أ.شوقي


نشير في البدء إلى أن هذه «دراسة استقصائية على ضوء تجربة «كتاب في جريدة» التي أطلقتها منظمة اليونسكو عام 1996 في المنطقة العربية»



1 - الهوية العربيّة والنص:



هل اللغة العربيّة أصل العرب؟ أم العكس؟ هذا السؤال الذي أطلقهُ المستشرق الإنجليزي مرجليوت يبدو وكأنه دعابة اللغز المعروفة: «هل البيضة من الدجاجة؟ أم أن الدجاجة من البيضة؟» سنبدأ من محاولة الإجابة عن هذا السؤال في الدخول إلى تعريف الهويّة العربيّة، وهو سؤال شائك ولكننا مطالبون اليوم - في عصر العولمة هذا - أكثر من أي وقت مضى بالإجابة بأقصى درجة من الوضوح عن هذا السؤال الجوهري بل التأسيسي في تحديد معنى الكيان العربي للدفاع عنه وتطوير إمكاناته في مواكبة الانفجارات المعرفيّة في مطلع الألف الميلادي الثالث الذي نعيش في غمرتها مُستهلِكين ومُستهلَكين فقط.



في الواقع هناك بعض العناصر الأساسيّة التي يمكننا الأخذ بها كمعطيات للإضاءة حول هذا السؤال، أهمها وبكل بساطة الاطلاع على تعريف «العربي» لدى القواميس القديمة. طبعاً، إننا نفاجَأ بالإجماع الذي تقدمه القواميس في تعريفها للـ «عربي» في أنه مَنْ يُحسِنُ اللغة العربيّة، ومن هنا فإن العُروبة هي الفَصاحة، وهي إذن مفهومٌ يبدأ باللغة لكي ينتقل إلى الدلالة القوميّة العرقيّة ثم الدينيّة. والإعرابُ كما نعلم جميعاً هو استقامةُ الجملة واتضاح دلالتها دون لبس أما العُجمة فهي عدم الوضوح والالتباس. من هذه الظلال اللغوية بالأساس خرجت مفاهيم وتعريفات عرقيّة وقوميّة وسواها مما يُعرف بالعرب والعجم.. إلخ.



هذا المفهوم يكاد يكون خاصاً باللغة العربيّة، إذ لا يوجد ما يقابل هذا التعريف في اللغات الأوربيّة على الأقل حسب ما يؤكد ذلك حرفيّاً الفيلسوف الألماني الذي كتب تاريخ الحضارة في أواخر القرن التاسع عشر «هيردر» HERDER إذ إن هذا الأخير يقول لنا بما معناه، في ميدان استطراده لمعنى الحضارة الإنسانية وروافدها، إنه إذا كان اليونان قد عُرفوا بالفلسفة والرومان بالقانون والفرس بالفنون فإن العرب قد عُرفوا باللغة، لأن اللغة العربيّة لها جمالُها وسطوتها وهيمنتها على شعوبها، قبل أن يضيف أن ما قدّمته اللغة العربية إلى قبائل الجزيرة يفوق بكثير دور اللغة اللاتينيّة لدى القبائل الأوربيّة، بما معناه أن اللغة العربية شكلت حاضنًا وعنصرًا جامعًا للقبائل العربية بشكل لم تستطع اللغة اللاتينية تقديمه للقبائل الأوربية في القرون الوسطى.



لسنا بصدد البحث عن الأسباب، لأن ذلك سيقودنا بعيداً، ولكن مجرد تحديد هذه الظاهرة بالإضافة إلى الإجماع القاموسيّ على تعريف العربيّ انطلاقاً من اللسان فإن هذا الأمر يقودنا بخطوات نقترب معها من الإجابة عن السؤال الجوهري الذي انطلقنا منه.



هذا كما أودّ أن أضيف نقطة أخرى في هذا الميدان وهي المتعلقة بعُمر اللغة - يجب ألا ننسى أنه لا يوجد شعب في العالم اليوم يقرأُ أبناؤه الصغار في المدارس الابتدائية قصائدَ ونصوصَ مكتوبة بلغةٍ عُمرها أكثر من ألفي عام، لا يحصل هذا الأمر في أيّة لغة من العالم. إن اللغات القديمة التي بدأت مع اللغة العربية كاليونانية القديمة والسنسكريتية والمُسند وغيرها كلها انقرضت وأصبحت لغات يعنى بها الدارسون فقط. أما اللاتينية وقد جاءت بعد اللغة العربية فهي مقصورة على بعض الممارسات الطقسية الكنسية.



ليست ظاهرة طبيعيّة أو شيئاً مألوفاً اليوم أن يحفظ طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة في بلداننا معلقات عنتر بن شداد وخطب قيس بن ساعدة على سبيل المثال، إن مثل هذه الحالة لا توجد لدى أي شعب من شعوب العالم اليوم، لأن هذه اللغات القديمة قد انقرضت.



مرّة أخرى لست بصدد البحث في الأسباب ولا في كون هذه الظاهرة إيجابيّة أم سلبيّة لأن الأمر سيقتضي دراسة مختصّة ولست بصددها الآن وأنا أكتفي فقط باستعراض هذه المعطيات باعتبارها عناصر مهمة في تحديد مفهوم الكيان العربي وعلاقته باللغة، وهو ما يعنيني في هذا البحث لأخْلُصَ إلى القول إن علاقة الهويّة العربية باللغة أمر يشتمل على خصوصياتٍ وأعماقٍ ودلالاتٍ لا تتوافر لدى أي كيان آخر على وجه البسيطة.



وقد اخترتُ هذا المدخل لأصل إلى نقطة مهمة هي عنوان هذا البحث وهي علاقة القراءة بصورة الهويّة العربيّة انطلاقاً من الأزمة الكبيرة التي نعيشها والتي نحن بصدد التطرق إليها في لقائنا هذا، والتي بهذا المعنى تهدد وجودنا العربي بكامله. ومن هنا فإن أي خلل في العلاقة مع «النص» أي مع الكتابة واللغة بمفهومها الواسع، وانعكاسات ذلك على خصوصيّة الهوية العربية ستتجاوز - انطلاقاً مما أوضحنا آنفاً - الانعكاسات والآثار السلبية التي ستتعرضُ لها أيّة أمة أخرى لا تملك العلاقة التأسيسية الكيانية نفسها بينها وبين لغتها كما هو الحال في اللغة العربيّة.



هذا فيما يتعلق بعلاقة اللغة مع الكيان من وجهة نظر العناصر الأخرى المكوّنة للهويّة غير الدين، أما عن علاقة اللغة العربية بالدين، العنصر المؤسس الأكثر تأثيراً اليوم على الهويّة فإن ثمة خصوصيّة أخرى يجب أن نأخذها بعين الاعتبار وهي كون اللغة العربية قد احتلت موقع القداسة في المجتمع العربي أيام الوثنية من خلال وجود المعلّقات داخل الكعبة في الفترة الوثنية بنفس الدرجة مع رموز القداسة في ذلك الوقت، كالنصب والحجر الأسود وانتقالها لتحتل مكاناً كبيراً بعد مجيء الإسلام باعتبارها لغة القرآن الذي يعود له الفضل الأكبر في صيانتها والحفاظ على ديمومتها، وهي بذلك تكون قد ارتبط وجودها ليس بعامل إثنولوجي معرفي فقط، إنما تجاوز ذلك لمفهوم القدسي. ولا أقصد بالقدسي في اللغة العربية كوظيفة لأنها بالتالي لغة لكل اللغات نمارس فيها كل أفعالنا في الحياة، ولكنها ذات طابع قدسي في علاقتها بالكيان والجذر الإيماني لشعوب هذه المنطقة من العالم في مختلف مراحل تكوين الأمة العربية وتلك هي الخصوصيّة.



هذه الملاحظة تقودنا إلى خلاصة مهمة تضاف إلى الأولى وهي ارتباط اللغة بالعنصر المؤثر الكبير في الهويّة وهو الدين، إذن فإن مكوّنات الكيان العربي التأسيسية في العروبة والدين الإسلامي ذات صلة «وجوديّة» مع اللغة. وإن أي تدهور في هذه العلاقة سيكون قاهراً لوجود الأمّة. وإذا كان الأمر كذلك، كيف نفهم إذن مقاومة الكيان العربي وكل المفاهيم القوميّة العروبيّة اليوم أمام الأزمة الخانقة التي تعيشها الأمّة العربية في موضوع القراءة وأزمتها المتصاعدة التي سنوضحها فيما يلي:



2 - أزمة القراءة:



تشير الإحصاءات التي صدرت عن منظمة اليونسكو UNESCO والتنمية التابعة للأمم المتحدة UNDP إلى تدهور خطير في معدل القراءة لدى العرب بشكل عام بحيث إن الخط البياني الهابط يكاد يصل إلى أوطأ مستوى في العالم أجمع أي بمعدل «كتاب واحد لأكثر من 300.000 شخص» في المنطقة العربيّة. هذا كما تشير الدراسات التي نشرتها منظمة اليونسكو / بيروت عام 1996 بعد الندوة التي نظمها «كتاب في جريدة» حول القراءة في العالم العربي إلى أن «كل ما يستهلكهُ العالم العربي من ورق في صناعة الكتب - أي كتب - يكاد يوازي ما تستهلكه دار نشر أوربية واحدة» وإذا أخذنا على سبيل المثال فإن بلداً أوربيّاً صغيراً مثل بلجيكا لا يتجاوز عدد نفوسه تسعة ملايين نسمة فإننا نجد أنه يستهلك من إنتاج الكتب والقراءة أكثر من ثلاثمائة مليون عربي.



بالطبع هذه الأرقام يمكن أن نجد تفصيلاتها وتطبيقاتها العمليّة في حياتنا الثقافيّة، عندما نعلم أن الراحل الكبير نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل لا يبيع من طبعة كتابه أكثر من خمسة آلاف نسخة. وهذا الرقم مصدرُه مكتبة «مصر»، الدار التي كانت تنشر للأديب الكبير طيلة حياته.



أما إذا عدنا إلى مستويات كُتّاب آخرين في الرواية والدراسات فإننا سنصل إلى أرقام تعدُّ بالمئات، أما في الشعر فحدّث ولا حرج حيث لا يبيع الناشرون من الدواوين ما يغطي كلفة الإنتاج للغالبيّة العظمى من الشعراء الأمر الذي دفع بالشعراء، خاصة هذا الجيل لما بعد الرواد بدعم دواوينهم شخصيّاً لدى الناشرين من خلال شراء عدد من النسخ يضمن للناشر الدخول في المغامرة!



كما أن هناك ظاهرة مهمة في هذا الميدان وهي تحول معارض الكتاب العربي في كل مكان لأن تصبح السوق الوحيدة الأساسيّة لبيع الكتب باعتراف الناشرين أنفسهم أي الاختفاء التدريجي لدور المكتبات كسوق مهمة وطبيعيّة لبيع الكتب. ولهذا الأمر أيضاً دلالة كبيرة لأن معرض الكتاب هو تظاهرة اجتماعيّة احتفائية بالكتاب كسلعة تضمن له تسويقاً لدى المستهلك، وأن الكتاب اليوم صار بحاجة إلى مثل هذه التظاهرة لكي ينتقل إلى يد المستهلك في حين أن معارض الكتب في الأساس ليست مخصصة للبيع كما نعلم ولا أدل على ذلك من معرض فرانكفورت الشهير للكتاب الذي يظل مخصصاً إلى عقد الصفقات مع الناشرين وللترجمة بين اللغات.



يحملُ هذا التحول في عالمنا العربي مؤشراً خطيراً يؤكد التدهور الحاصل في علاقة المستهلك القارئ مع النص الأمر الذي كما ذكرنا سيكون له الأثر السلبي الأكبر على بلورة الشخصية العربية وحضورها ككيان في مطلع الألف الميلادي الثالث هذا المحفوف بكل أشكال المخاطر والتحديات، كما نؤكد جميعاً وفي كل المحافل دون أن نتوقف على الأبعاد والدلالات العميقة لهذه الظاهرة الكارثية.



بالطبع هناك تفاوت في العلاقة مع الكتاب حسب الاختصاصات فنجد على سبيل المثال، صعود الكتاب الديني وكذلك كتب الطبخ والمطبوعات الخاصة بالمرأة وبعض الكتب السياسية ذات الطابع الفضائحي، إلخ من عناوين ولكن كل ذلك يدور في إطار التدهور الكبير الذي حددنا خارطته قبل قليل.وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى خط بياني آخر صاعد بالأحرى في ميدان القراءة وهو قراءة الصحف والمجلات والمطويّات الملوّنة ذات الطابع الإعلاني الترويجي، وهذه الظاهرة تتكرسُ أكثر في العالم الثالث بشكل عام ولها أسباب أهمها:



1 - العامل المادّي: يتصاعد سعر الكتاب بشكل مطّرد مع انخفاض القوّة الشرائية في المنطقة العربية والعالم الثالث بشكل مطّرد أيضاً. وهكذا فإن الهوّة تزدادُ اتساعاً بما يجعل من الكتاب ترفاً اقتصادياً لا يمكن الوصول إليه مع توافر الرغبة ومعرفة القراءة والكتابة.



2 - العامل الثقافي: وهو الذي يتحدد بعدم توافر القدرة المعرفية للاختيار بين الكتب التي تحتاج أكثر وأكثر إلى مرجعيّة ثقافية لاختيار أي كتاب وفي أي اختصاص.. ولماذا هذا الكتاب دون سواه؟ ولماذا هذا المؤلف دون آخر؟ وغيرها من التساؤلات التي نطرحها على أنفسنا عندما نُقدِم على شراء كتاب، لأن الأمر مختلف والحالة هذه مع أي عملية اقتناء أخرى خاصة بالماديات وحاجات الاستهلاك اليوميّة المعروفة. ومن هنا فإن عدداً متزايداً من الناس، يفضّلون عدم اقتناء أي كتاب لعدم استطاعتهم الإجابة عن هذه الأسئلة، ومن هنا ظهرت البرامج الثقافيّة التلفزيونية والإذاعية التي تهدف إلى إعانة القارئين في اختيار أفضل الكتب في مختلف الاختصاصات.



3 - العامل النوعي: المقصود بالعامل النوعي هو شكل المطبوع الذي يحتوي على النص المعرفي أو الإبداعي فهل هو على شكل كتاب؟ أم كرّاس؟ أو جريدة؟ أم مجلة؟ وكيفية طباعتها؟ ونوع الورق؟ والألوان؟ والصوت وما إلى ذلك.



هذا العامل مهم جداً في تحديد طبقة معيّنة من القرّاء لأن هناك عددًا متناميًا من القارئين الذين صاروا، وبمرور الزمن وتكريس المفهوم الانتقائي في العلاقة مع المعرفة بين عموم الناس في البلد الواحد، ينظرون إلى الكتاب بشكله التقليدي الذي نعرفه كحالة طبقيّة ليست مادّية بالمفهوم الرأسمالي أو البرجوازي ولكن بمفهوم العلاقة مع هذا النوع من الإنتاج باعتبار الكتب.. وأهل الكتب والمثقفين.. ومنتجي المعرفة قد تكرسوا كطبقة معزولة تعمقت حولها الخنادق والحواجز وصارت مثل جزيرة أو جزر متنائية في وسط المحيط الاجتماعي.



ولهذا فإن القراءة كفعل صارت تتركز أكثر وأكثر على الصحف والمجلات والكراريس باعتبار أن في الصحف كلٌّ يستطيع أن يجد ضالّته، إما في ميدان السياسة أو الاقتصاد أو الرياضة أو الألعاب أو الإذاعة والتلفزيون أو الغرائب وما إلى ذلك من أبواب، خاصة أن الصحيفة هي شكل مفتوح لنقل المعرفة لا يحدّه غلاف ولا تسلسل عبر فصول وأبواب وفي الوقت نفسه فهو مزوّد بالصور والمفاجآت ويمكن في حال عدم الإفادة منه فرشه والاستفادة من مادته الورقية في استخدامات عديدة في الحياة اليوميّة.



4 - عامل الرقابة: بالطبع يأتي هذا العامل ليشكل بحدّ ذاته حاجزاً خطيراً يحجب التواصل بين منتج النص ومستهلكه، وهو بلغ حدّته وشراسته القصوى في المنطقة العربيّة، بحيث يشكل بالإضافة إلى العوامل الموضوعية الثلاثة الآنفة الذكر العائق الأكبر في عملية نشر الكتب ولكننا يجب ألا نستهين بالأسباب الموضوعية الأخرى التي ذكرناها.



تجربة «كتاب في جريدة»



كان لا بدّ لمنظمة مثل اليونسكو أن تبحث في أنجع الوسائل والأساليب التي يمكن بمساعدتها مواجهة هذا الجدب المعرفي والتصحّر الفكري لدى شعوب كثيرة وكبيرة التأثير على التوازن الحضاري في العالم المعاصر، ومن هنا قامت في مبادرة أولى من نوعها وهي التي أطلقتها في إسبانيا والبرتغال وأمريكا اللاتينيّة تحت عنوان «Périolibros» ومعناه حرفيّاً «الكتاب الدوريّ» والتي بدأت بشكل تجريبي في البيرو، حيث قام أحد الروائيين المعروفين واسمه مانويل سكورزا بالاتفاق مع عدد من الصحف في بلاده لتنشر رواياته على شكل تابلوييد (قطع نصف الجريدة المعروف)، مزودة بالرسوم والتخطيطات في الصحف اليوميّة دون أي إضافة أي تسعيرة جديدة لقيمة الجريدة. وقد نجحت هذه التجربة بشكل محدود في البيرو وبعد وفاة هذا الروائي قام ابنه بنقل التجربة إلى اليونسكو التي اعتمدتها في كامل الدول الناطقة بالإسبانية والبرتغالية (25 دولة) وأطلقتها من العاصمة المكسيكية مكسيكو عام 1990 حيث صدر العدد الأول.



نجحت هذه التجربة في أمريكا اللاتينية التي عملت بها طيلة خمس سنوات ونصف (66) عدداً شهرياً فقط، توقفت من بعد ذلك لأسباب مادّية تتعلق بالصحف الأمريكية اللاتينية من ناحية وبالدعم الذي تقدّمهُ مؤسسات الرعاية في هذه المنطقة من ناحية أخرى.



وعلى أي حال فقد كان نجاحها الأوليّ مدعاةً لنقلها إلى المنطقة العربيّة للتشابه الكبير بين هاتين المنطقتين في العالم بسبب وحدة اللغة والدين بين عدد من الدول موزعة بين قارات متباعدة. وهكذا فبعد اختياري من قبل مدير عام اليونسكو السابق فديريكو مايور، الذي كان يصرّ على ضرورة تمتع المنطقة العربيّة بهذا المشروع المهم والضروري لنموها وتطورها، قمت بزيارة مكسيكو للاطلاع على حيثيات التجربة اللاتينية ومن ثم نقلها إلى العربية وهذا ما تم حيث نعمل اليوم بعد أكثر من عشر سنوات محققين بذلك نجاحاً تجاوز الضعف للتجربة الأم، خاصة أن «كتاب في جريدة» يتواصل ويتطور الآن ليصبح مركزاً إشعاعيّاً عربيّاً على مدى كبير من الأهميّة لما يمتاز به من خصوصيات وما يقدمه من خدمات وسنأتي إلى ذلك.



المهم هو معرفة الفلسفة التي تقوم عليها هذه التجربة، ولماذا هي بهذا الشكل الإخراجي وكذلك الآلية التي تعمل بها، لأن هناك تساؤلات ومقترحات تصلني باستمرار وكذلك أثناء المؤتمرات واللقاءات والندوات وعلى أعمدة الصحف أيضاً.



إن الفلسفة التي يستند إليها «كتاب في جريدة» تنطلق من النقاط التي أشرت إليها آنفاً في تحديد الأسباب التي تحد من انتشار قراءة الكتاب في العالم العربي والعالم الثالث بشكل أعم. ولهذا نجد أن صيغة وأسلوب نشر الكتب وتوزيعها عبر «كتاب في جريدة» تتضمن تجاوزاً وردّاً على تلك المعوّقات فنجد الكتاب والحالة هذه مجانيّاً أولاً وهنا تجاوز للعامل المادي، وهو مختارٌ في كل شهر يمثل مادّة أدبيّة ومعرفية مميزة يُقدمها نخبة رائدة من أعلام الثقافة وهنا أيضاً تجاوز للإشكال الثاني وهو العامل المعرفي وكذلك فإن شكله الذي يحتوي على كتاب كامل ولكن على شكل جريدة، فإنه أيضاً يمثل تجاوزاً للعامل النوعي الذي كان أحد أسباب عدم الاقتراب من الكتاب هذا بالإضافة إلى أنَّ أسلوب اختيار المؤلفات عبر مؤتمر مخصص لهذه الغاية وبالإجماع من قبل جميع الأطراف المعنيّة ساعدنا على تجاوز حاجز الرقابة والذي مثل لدينا السبب الرابع في تحديد موانع التواصل مع المعرفة وانخفاض منسوب قراءة الكتب.



من هنا نجد أن الشكل والطريقة التي يتم فيها إنجاز «كتاب في جريدة» هو بلورة متكاملة لكل الردود الناجعة لمواجهة أزمة القراءة وذلك بتجاوز كل المعوّقات لها.



وهنا أودُّ أن أؤكد على نقطة مهمة تصلني دائماً ملاحظات بشأنها وهي السؤال الذي يتردد باستمرار لدى المثقفين في جميع الدول العربية والقائل بـ: لماذا لا يصدر «كتاب في جريدة» على شكل كتاب؟



أعتقد أنني في الاستعراض الآنف الذكر قد أجبت عن هذا السؤال ولكي أوضح أكثر.. ذلك لأن شكل الكتاب المألوف هو بحد ذاته عائق أمام القراءة لدى طبقة كبيرة ممن أسميهم «القارئين» وليسوا بالقراء وهناك فرق كبير بين الاثنين، حيث إن القارئين هم كل من يعرف القراءة والكتابة ولكنهم ليسوا بالضرورة من طبقة «القراء» كما يمكننا تحديدها ثقافياً وطبقيّاً. أمّا القرّاء فهم المثقفون الذين يقتنون الكتب حسب أهوائهم وتوجهاتهم وأمزجتهم وهم ليسوا بحاجة إلى منظمة اليونسكو لكي تدلهم على هذا الكتاب دون سواه ولا أن تجمّل لهم الصفحات لكي تشوقهم في تقليبها وتُحبّبهُم إليها.. ولكن المشكلة وهي أساسُ موضوعنا اليوم تتلخصُ في كون هؤلاء القراء لا يشكلون إلاّ أقليّة متضائلة في حاضرتنا الثقافية، وكما أشرت قبل قليل بأن عددهم يتراوح بضعة آلاف في محيط إنساني يعدُّ بمئات الملايين. إنهم يشبهون الأرخبيل من الجزر الصغيرة التي يهددها المدُّ الصاعد من الجهل والأميّة وعدم الاكتراث في حياتنا، وبهذا فإن الخطر الداهم الذي ينتظرنا متأتٍ من تصاغر هذه الفئة وتلاشيها وهي مصدر الضوء ودعامة الحضور والتمثيل لأمتنا في العالم.



ولهذا فإن هدف «كتاب في جريدة» الأول والجوهري هو توسيع رقعة هؤلاء القراء بِضَخِّ عددٍ متزايد من القارئين لكي يصبحوا بعد أن يتعوّدوا ويألفوا ويحبّوا القراءة «قرّاءً» بالمعنى النخبوي وبهذا سيزيدون في عدد القراء وهي عملية حضارية معقّدة تعتمد على النَفَس الطويل والعمل الدائب والتأسيس العميق وهو ما نحن بصدده منذ أكثر من عقد من السنين، وقد نجحنا بالفعل في ترسيخ الأسس التي نستند اليوم إليها في تطوير عملية القراءة والبناء.



بالطبع هناك مؤشرات كثيرة على نجاح هذه التجربة أهمُها بقاؤها حتى اليوم وقد تجاوزنا العقد الأول ونحن نصدر هذا الشهر العدد المائة بمعدل 2.500.000 (مليونان ونصف مليون) لكل إصدارٍ أي أننا بهذا الإصدار نكون قد أهدينا إلى القارئين العرب قرابة ربع مليار كتاب في جريدة.. في كل العواصم العربية تقريباً ما عدا بغداد التي تلتحق مؤخراً بالمشروع.



إن أهمية هذا الإنجاز تتوزع على المحاور التالية:



أ - إعلاميًّا: انتقل خلال عقد كامل من السنين دور الصحافة في العمل الثقافي والمعرفي من مساهمة هامشية لا تتجاوز بعض الإضاءات هنا وهناك من خلال ما سمّي بـ«الصفحة الثقافية» والتي بدأت بالظهور في سنوات الستين، إلى أن يصبح دوراً تأسيسياً في بناء الشخصية الثقافية والمعرفية للمواطنين بالمفهوم الواسع، والشمولية التي لم يسبق لها مثيل وذلك من خلال العمل المشترك مع الصحافة العربية بتكامل وتوحد الأهداف والغايات فيما بينها. إن عملية إصدار عمل معرفيّ إبداعيّ نصّي تشكيليّ كامل وعلى أعلى المستويات في جريدة يومية هو بحد ذاته نقلة نوعية لدور الصحيفة ولدور الكتاب في آن.



وقد جاء ذلك في وقت ينحدر فيه مستوى العلاقة مع الكتاب والقراءة في عالمنا العربي إلى درجة كارثيّة، حسب إحصاءات المنظمات العالمية المختصة، وعلى رأسها اليونسكو والأرقام نعرفها: كتاب واحد لكل 300.000 عربي. وكل ما يستهلكه العالم العربي من ورق في صناعة الكتب يوازي ما تستهلكه دار نشر غربية كبيرة. إن النقلة النوعية للكتاب تتلخص في أن الكتاب قد كسر حاجز النخبة الضئيلة التي لا تتجاوز الآلاف أو المئات فاتحاً صفحاته أمام الملايين، هذا كما تحطم أيضاً الشكل التقليدي للكتاب وأصبح بحجم التابلويد مع الصور والألوان وفي هذا أيضاً تحول شكلي سمح للكتاب بالوصول إلى أيدٍ لم تكن تألف التعامل مع صفحاته بشكله المعروف، والذي ظل نخبوياً من الدرجة الأولى. يضاف إلى ذلك وحدة الشكل ويوم النشر المشترك أي الموعد مع الملايين وهذا أمر لم تألفه الكتب وقد قدّمته الصحيفة في خدمة الكتاب.



أما ملامح هذه النقلة لدى الصحافة العربية فإنها واضحة وعميقة، فقد صارت الصحافة العربية مجتمعة تحت شعار منظمة اليونسكو «معهداً معرفيّاً جماهيرياً» وهذا تأسيس في نقل المعرفة تقدمه المنطقة العربية كنموذج أول في العالم تتدارس اليونسكو اليوم أهميته الرياديّة على مستوى المجموعة الدوليّة، ذلك لأن مشروع اليونسكو الذي سبق «كتاب في جريدة» في إسبانيا وأمريكا اللاتينية قد توقف في العام السادس بعد إصدار قرابة 66 كتاباً، ولم يحصل أثناء تلك التجربة من الإرهاصات والتفاعلات مثل التي جعلت من «كتاب في جريدة» اليوم الصرح الثقافي العربي المشترك الوحيد.



إن نجاح هذا المشروع يأتي وقبل كل شيء من إصرار الصحف العربية الشريكة وتضحيتها طيلة السنوات العشر المنصرمة وثباتها في بناء هذه التجربة، إيماناً منها بدور الثقافة والمعرفة في نهاية الألف الثاني وبداية الألف الثالث الميلادي في بناء الشخصية الحضارية للعرب فيما عرف عنه بعصر العولمة، والعولمة قبل كل شيء مشروع ثقافي تتصاهر فيه الثقافات والمعطيات المعرفية والتكنولوجية بين شعوب الكون وكأنها شعب واحد.



هذه النقلة النوعية في الإعلام قد تبلورت أيضاً بفضل هذا التلاحم بين المشاريع العالمية الكبرى التي تقودها منظمة اليونسكو، وبين شركاء لها في العالم العربي، ليسوا حكومات ولا دولاً. كما إن اللقاء بين اليونسكو كممثل أعلى للثقافة والحضارة الإنسانية وبين الصحافة العربية كمصدر إشعاع ثقافي معرفي وليس إخبارياً إعلامياً فقط بعيداً عن هيمنة الدولة وسياسات الحكومات وبالتعاون مع مؤسسات الرعاية الثقافية التي هي الأخرى أهلية وغير حكومية كلُّ هذا طيلة أكثر من عقد من السنوات وبعمل دائب لم يتوقف قد أدّى، وبفخر كبير، إلى تحقق هذا التحول المفصلي فيما يتعلق بدور الصحافة لكي تصبح «المعهد الثقافي الجماهيري» كنموذج أول في العالم تقدمه الصحافة العربية.



ب - ثقافياً: إن الأهميّة الثقافية لهذا الإنجاز لا تقل عن أهميته الإعلامية، وذلك لأن اتساع رقعة القراءة والانتقال من النخبة التي تعرف بـ «القرّاء» إلى إشاعة الكتاب بفضل الصحيفة اليومية وإيصاله إلى ما سمّيناه بـ «القارئين» وهم بالملايين قد حقق انفجاراً في علاقة المبدع منتج المعرفة بالمتلقي مستهلكها وهدفها ومبتغاها الأكبر.



يضاف إلى ذلك فإن التأثير الذي أحدثته هذه العملية الحضارية لا يمكن إحصاء نتائجه مباشرة وعلى شكل أرقام ودراسات سطحيّة. لأننا نعلم أن البناء الثقافي يتطلب فترات طويلة كما حصل في عصر التنوير في فرنسا الذي سبق التحولات الكبرى أثناء وبعد الثورة الفرنسية والتي استغرقت قروناً. إن الترسب المعرفي الذي يتواصل عبر «كتاب في جريدة» في يد كل عربي يؤسس بالتأكيد إلى شخصية معرفية حضارية عربية ذات إشعاعية جديدة على المدى المتوسط والبعيد.



هذا كما أن «كتاب في جريدة» يقدم بالإضافة إلى النص تشكيلاً فنياً مواكباً له وهو بهذا يقدم للفن التشكيلي خدمة ربما أهم مما يقدمه لمؤلف الكتاب الذي قد ينشر بسهولة أكثر مؤلفاته على الورق. ولهذا فإن الشخصية العربية التي كان غذاؤها الأول هو اللغة والشعر والمعرفة والتي نهضت بها عبر العصور تعود اليوم إلى الينابيع الأولى في هويتها الحضارية مستلهمة صوت الأجداد ونداء الآتين معاً.



لم يسهم «كتاب في جريدة» فقط في نشر الكتب بل حقق الوحدة العربية الفعليّة والممكنة. لأن الوحدة السياسية كانت قبل ذلك شعاراً دفعت الأمة العربية ثمنه دماً ودماراً دون التوصل إلى نتيجة. ولعل كلمة الدكتور عصمت عبدالمجيد، الأمين العام السابق للجامعة العربية في افتتاح المؤتمر الثاني لـ «كتاب في جريدة» في إطار معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1999 خير من عبّر عن ذلك بقوله: «لقد نجحتم حيث أخفق السياسيون» إن الممارسة الوحدوية ثقافيًّا وإبداعيًّا هي الاستعادة الحقّة للصورة العربية المشرقة التي حجبها طويلاً ضباب القرون القاتم. بالطبع لم يتحقق هذا بسهولة عبر إصدار هنا وهناك.



إن حجم التحديات والإشكاليات السياسية والثقافية والمادية والإداريّة كان هو الآخر كبيراً، ولكن الإرادة والدراية العالية في قيادة هذا المشروع والارتقاء به إلى مستوى التحديات والانتصار عليها، وراء هذا الانجاز الحضاري الكبير. ولهذا لا بد وبمناسبة إصدار العدد المائة من تحية روّاد المشروع وعلى رأسهم رؤساء تحرير الصحف العربية الشريكة ثم منظمة اليونسكو وعلى رأسها المدير العام كويشيرو ماتسورا والراعي الذي أنقذ «كتاب في جريدة» رئيس مؤسسة MBI Foundation الشيخ محمد بن عيسى الجابر.



القراءة والعولمة



لا بد لنا قبل الانتهاء من هذا الاستعراض السريع من الوقوف أمام نقطة جوهرية وهي المتمثلة طبعاً بالثورة المعلوماتية من ناحية، والتي ترتبط بعصر العولمة الذي نعومُ في محيطه مثل قبائل أسماك صغيرة قرب كيانات إخطبوطية وحيتان وقرش من كل الأحجام من ناحية أخرى، ذلك أن في كل من هذين الجانبين أخطارا وتحديات سيتوجب - إن لم يكن قد توجب - علينا الاستطراد لمواجهتها للدفاع عن وجودنا بكل بساطة على سطح الألفيّة الجديدة.



لأن المعلوماتيّة ليست مجرد اقتناء أجهزة الكومبيوتر والعمل بها ولو أن الأرقام التي تنشر لحد الآن حول توافر هذه الأجهزة في العالم العربي ما زالت متدنيّة جداً إذا ما قورنت بما هو عليه الوضع في أوربا والعالم في حين إن المنطقة العربية لا تشكو ماديّاً، ولكن الأمر أوسع من هذا بكثير، حيث إن فلسفة العمل الإنتاجية عبر وفي الانترنت قد أصبحت الألفباء الجديدة في العالم وإذا كنّا نحن حتى مطلع الألف الميلادي الثالث ما زلنا نكابدُ في مواجهة الأميّة التقليديّة، حيث إن أكثر من 60% من أبناء أمتنا ما زالوا أميين فإن ذلك يعني أننا قد خسرنا وإلى الأبد هذا الرهان.



أما مواجهة العولمة في الحياة الاقتصادية والمعرفية والسياسيّة وكل نواحي الوجود الإنساني فإننا إذا لم نحقق النهوض بأوسع طبقة من عموم أبناء الأمّة فإن مآل النخبة الثقافية مهما كان مستواها رفيعاً وراقياً سيكون الاندثار والتلاشي داخل القرية الكونية المتمثلة في عالمنا المعاصر اليوم، وهو ما يحصل بالفعل تاركين أبناء أمتنا إلى مصيرهم في التخلف والهامش البعيد النائي عن صميم الحضارة (هجرة العقول واتساع المنافي).



ليس أمامنا إلاّ العمل مع أهلنا وأبنائنا، في المدرسة وقبل المدرسة في الجامعة وبعد الجامعة، في كل مرافق الحياة لمد الجسور والقنوات والروافد المعرفيّة والثقافية والإبداعيّة من أجل أن تصل المعرفة إلى عموم الناس كل الناس وكلما اتسعت هذه الرقعة ازداد كياننا أصالة وقوّة، وكلّما ضعفت ارتمينا في هامش ناءٍ وفي ركن يزدادُ ظلاماً من عالم أهم ما يوصف به أنه عالم النور والكشف والابداع.



إننا إذا ما استمر الوضع بما هو عليه اليوم كما أشرنا، وتعمّقت الهوّة بين مصادر المعرفة والإنتاج الفكري والإبداعي وبين أوسع طبقة من الناس، فإن مصيرنا لن يختلف كثيراً عن الهنود الحمُر الذين لم يبق لهم إلاّ الريش على رءوسهم والألوان على جباههم، الأمر الذي يضعنا وجهاً لوجه أما السؤال؛ هل سنكون الهنود الحمُر للعصر الجديد؟ وتكون بلداننا وتقاليدنا واجهات لعرض صور الفلكلور، تمتِّع السائحين بغرائبها وتذكّرهم بماضي البشرية؟






الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

"تريم"عاصمة الثقافة الإسلامية لــ 2010!!! "...






السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخـــبر كمـــا ورد:

 البيضاء نيوز- وكالة أخبار الشعر

تواجه مدينة تريم التاريخية بمحافظة حضرموت باليمن، جملة من الصعوبات والتحديات، وذلك بعد أن تم اختيارها من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الايسيسكو" كعاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2010م.

فقد عبر عدد من المثقفين والأدباء والشعراء ، عن مخاوفهم في إخفاق مدينة تريم في احتضان هذا الحدث الثقافي الإسلامي الهام، نظراً لضبابية الصورة التي تُحيط بهذا الحدث، وكذا عدم إعلان وزارة الثقافة اليمنية والجهات المعنية الأخرى إلى اليوم عن خططها وبرامجها للفعاليات الخاصة التي ستشهدها المدينة طوال العام القادم.

ودعو وزارة الثقافة والجهات المعنية إلى سرعة التحرك للإعلان عن خطط وبرامج الفعاليات والعمل على تهيئة مدينة تريم لاحتضان فعاليات عاصمة الثقافة الإسلامية 2010م.

فقد أوضح الأديب والكاتب الدكتور سعيد الجريري رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين - فرع حضرموت - لوكالة الشعر، أن قرار اختيار منظمة "الايسيسكو" لمدينة تريم كعاصمة للثقافة الإسلامية، يجعل الأخيرة أمام مهمة صعبة

وشاقة، خاصة وأن المدينة تعرضت مؤخراً لأضرار بالغة جراء الفيضان والأمطار الغزيرة التي أثرت على تراثها الثقافي ونالت من بنيتها التحتية ومعالمها الأثرية، مشيراً إلى أن ترميم وصيانة هذه المعالم وتأهيلها يُشكل أكبر تحدٍ للجهات المعنية التي لم تُقدم إلى اللحظة للساحة الثقافية اليمنية والإسلامية برنامجها وخططها للاحتفاء بهذا الحدث الهام وذلك بما يليق والمكانة التاريخية والحضارية التي تحتلها مدينة تريم كونها تُمثل أحداهم حواضر العالم العربي والإسلامي.

وأكد رئيس اتحاد أدباء حضرموت وجود جملة من التحديات والصعوبات التي ستعترض المدينة خلال احتضانها لهذا الحدث الهام، مرجعاً ذلك إلى الظروف المعقدة والصعبة التي تمر بها تريم، وكذلك إلى الأجندة الحالية لوزارة الثقافة.

وقال: "لقد عودتنا الجهات المختصة في اليمن في مثل هذه المناسبات إلى اعتماد أسلوب العشوائية والارتجالية، وهو ما يؤدي إلى إفشال أو تواضع هذا الحدث، ولنا في حدث صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م، أكبر دليل وعظة وعبرة".

في المقابل قللت مصادر بوزارة الثقافة اليمنية من تلك المخاوف التي عبر عنها المثقفون والأدباء من احتمال إخفاق مدينة تريم لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية 2010 ،وأشارت إلى أنه لا يوجد أي مبرر منطقي لتلك المخاوف سوى أنها صادرة من أشخاص اعتادوا ثقافة التشاؤم وأصبحوا ينظرون للأمور بنظارات سوداء ،وأكدت المصادر- فضلت عدم الكشف عن أسمها- اتخاذ وزارة الثقافة لإجراءات سريعة بهذا الشأن لما من شأنه ضمان نجاح مدينة تريم لاحتضان فعاليات عاصمة الثقافة الإسلامية 2010م.

وقالت " إنه من السابق لأوانه ومن غير المعقول إصدار أحكام جاهزة تؤكد فشل المدينة في احتضان هذا الحدث قبل أن يبدأ،فقد كان من الأفضل أن ينتظر هؤلاء حتى تبدأ الفعاليات ومن ثم يصدرون أحكامهم كما يشاءون."

من جانبه أكد وزير الثقافة اليمني الدكتور محمد أبوبكر المفلحي، مُباشرة وزارته لوضع خطط وبرامج الفعاليات التي ستشهدها مدينة تريم، خلال العام القادم، وكذا البدء بتنفيذ المشاريع التي ستُنفذ من أجل تهيئة المدينة لاحتضان الفعاليات الثقافية التي ستقام فيها طوال العام القادم، منوهاً إلى أن الوزارة ستقوم خلال الأيام القادمة بإعداد تصورات خاصة حول حفل تدشين فعاليات تريم عاصمة للثقافة الإسلامية ، بما يليق بهذه المدينة التاريخية وبدورها الفكري، وبما يبرز اليمن وإرثها الحضاري،لافتاً إلى أن من أهم المشاريع التأهيلية للمدينة مشروع إعادة تأهيل وترميم مكتبة "الأحقاف" التي تمثل ثالث أهم دار مخطوطات تاريخية في اليمن، منوها إلى أن الاحتفال بتريم كعاصمة للثقافة الإسلامية سيسهم في دراسة تراثها وإعادة تأهيل معالمها والحفاظ على ملامحها الحضارية.







انتظروا ...فللحديث بقية...



...

















لنعيد النظر قليلا (تريم عاصمة الثقافة الإسلامية)

المتبحر في أوضاع البلاد وحالها سيعلم استماتة الغرب والمنظمات المشبوهة على تعزيز مكانة التصوف ، ونشر الفكر الصوفي بين المسلمين ..!!

ولن تجد تلك المنظمات أفضل من يحبط مخططات الكفر فقط بدف وطنبور ..!!

لن أستبعد ..... ولا يخفى جهد الصوفية دعاة عبادة القبور في حضرموت لتوجيه الأنظار لتريم التي تعتبر البقاع الأكثر قدسية لهم .

فتريم التي فيها قبر شفيعهم محمد علي ووسيطهم أبو بكر بن سالم كما جاء في كتاب الجواهر في مناقب أبي بكر بن سالم تاج أكابرهم .

وهو أيضا ما يروج له المتصوف الأعظم الجفري وشيخه بن حفيظ، حيث يدعوان لزيارة مقابر تريم المدفون بها ( 80 قطب ، وعشرة آلاف ولي ( ..!

وقد يقول قائل :

أنه جاء اختيار مدينة تريم كعاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010م لتاريخها الإسلامي الحافل بالعطاء العلمي والفكري ولما تحتويه من معالم معمارية إسلامية بارزة لعل من أشهرها مسجد المحضار المشهور بمئذنته التي يبلغ طولها 150 قدم والمبنية من الطين وبطريقة هندسية مميزة إلى جانب أربطة العلم التي اشتهرت بها مدينة تريم ومازالت تستقبل كل عام طلاب العلم من شتى بقاع العلم لينهلوا من معينها العملي والروحي الذي لا ينضب.

فأقول أن هذا الاختيار الغير متوقع والخارج عن المألوف والمغاير لكل ماهو منطقي خصوصا بعد الفيضان والأمطار الغزيرة التي أثرت على تراثها الثقافي ونالت من بنيتها التحتية ومعالمها الأثرية،

لم يكن سوى جهد مشترك بين القوى الصوفية الكبرى في الخارج والتي لها الدور الابرز في هذا الاختيار حيث سيكون ذلك فرصة لتقوية مكانة الصوفية واشهار معالمها التي كادت ان تندرس في احد أهم معاقلها وهي تريم .والقوى الداخلية الفاسدة المحتكة بالحكومة.

ولكن .....

البشائر على أرض الوطن تنذر الصوفية في حضرموت بأن كيدهم إلى دمار

فالتحالف القوي بين رموز الصوفية في حضرموت وبين الحكومة اليمنية الفاسدة التي يكرهها الحضارم كثيرا سيعود على التصوف بأبشع العواقب ،ومن جهة أخرى فإن المد السلفي في تريم قد بدأ بالتكاثر بفضل الله ثم بجهد حركة أخرى كانت قد خرجت قريبا من اللعبة بعد وفاة زعيمها ..

ختاما.....

كفرد ينتمي لتلك البلاد وعلى وجه الخصوص ولقرية مجاورة لتريم ، أقول إنه ليس سعادة أكبر لي من أن تتوج إحدى مدن يمني الحبيب بهكذا لقب لا سيما صنعاء التي حازته يوما عن جدارة واستحقاق ..ولكن ليس بهوى هؤلاء ..ولا بهذا المنطق هؤلاء!!

والله أعلم وهو من وراء القصد...